وهذا الذى ذكرناه الذى جاء به القرآن هو ضرب الأمثال من جهة المعنى، وقد يعبر فى اللغة بضرب المثل أو بالمثل المضروب عن نوع من الألفاظ، فيستفاد منه التعبير كما يستفاد من اللغة، لكن لايستفاد منه الدليل على الحكم كأمثال القرآن، وهو أن يكون الرجل قد قال كلمة منظومة أو منثورة لسبب اقتضاه فشاعت فى الاستعمال، حتى يصار يعبر بها عن كل ما أشبه ذلك المعنى الأول، وإن كان اللفظ فى الأصل غير موضوع لها، فكأن تلك الجملة المثلية نقلت بالعرف من المعنى الخاص إلى العام كما تنقل الألفاظ المفردة، فهذا نقل فى الجملة مثل قولهم :( يداك أوْكتََا، وفُوكَ نَفَخ ) هو مواز لقولهم :( أنت جنيت هذا ) ؛ لأن هذا المثل قيل ابتداء لمن كانت جنايته بالإيكاء والنفخ، ثم صار مثلا عاماً، وكذلك قولهم :( الصَّيْف ضَيَّعْتِ اللبن ) [ هذا المثل فى الأصل خوطبت به امرأة، وهى دختنوس بنت لقيط بن زرارة، كانت تحب عمرو بن عمرو بن عدس، وكان شيخا كبيرا، ففركته فطلقها، ثم تزوجها فتى جميل الوجه، وأجدبت، فبعثت إلى عمرو تطلب منه حلوبة، فقال عمرو :( فى الصيف ضيعتِ اللبن ). وإنما خص الصيف لأن سؤالها الطلاق كان في الصيف، وهذا المثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه ] مثل قولك :( فرطت وتركت الحزم، وتركت ما يحتاج إليه وقت القدرة عليه حتى فات )، وأصل الكلمة قيلت للمعنى الخاص.