وكذلك ( عَسَى الغُوَيْرُ أبْؤُسَا ) أى : أتخاف أن يكون لهذا الظاهر الحسن باطن ردىء ؟ فهذا نوع من البيان يدخل فى اللغة والخطاب، فالمتكلم به حكمه حكم المبين بالعبارة الدالة، سواء كان المعنى فى نفسه حقاً أو باطلا؛ إذ قد يتمثل به فى حق من ليس كذلك، فهذا تطلبه فى القرآن من جنس تطلب الألفاظ العرفية، فهو نظر فى دلالة اللفظ على المعنى لا نظر فى صحة المعنى ودلالته على الحكم، وليس هو المراد بقوله :﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾ [ الروم : ٥٨ ]، فتدبر هذا فإنه يجلو عنك شبهة لفظية ومعنوية.
وهذه الأمثال اللغوية أنواع، موجود فى القرآن منها أجناسها، وهى مُعْلِنة ببلاغة لفظه ونظمه وبراعة بيانه اللفظى، والذين يتكلمون فى علم البيان وإعجاز القرآن يتكلمون فى مثل هذا، ومن الناس من يكون أول ما يتكلم بالكلمة صارت مثلا، ومنهم من لا تصير الكلمة مثلا حتى يتمثل بها الضارب فيكون هذا أول من تمثل بها، كقوله ﷺ :( الآن حَمِىَ الوَطِيسُ ) [ الوطيس : شبه التَّنُّور، عبر عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق ]، وكقوله :( مِسْعَرُ حَرْب ) ونحو ذلك، لكن النفى بصيغة الاستفهام المضمن معنى الإنكار هو نفى مضمن دليل النفى، فلا يمكن مقابلته بمنع، وذلك أنه لا ينفى باستفهام الإنكار إلا ما ظهر بيانه أو ادعى ظهور بيانه، فيكون ضاربه إما كاملا فى استدلاله وقياسه وإما جاهلاً، كالذى قال :﴿ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [ يس : ٧٨ ].