فتدبر كيف اشتملت هذه الآيات على الأصناف الثلاثة، وقوله فى صفة أولئك :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٧٦ ]، حال من يكتم النصوص التى يحتج بها منازعه، حتى إن منهم من يمنع من رواية الأحاديث المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أمكنهم كتمان القرآن لكتموه، لكنهم يكتمون منه وجوه دلالته من العلوم المستنبطة منه، ويعوضون الناس عن ذلك بما يكتبونه بأيديهم ويضيفونه إلى أنه من عند اللّه.
وَسُئِلَ عن معنى قوله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ] واللّه ـ سبحانه ـ لا يدخل عليه النسيان.
فأجاب :
أما قوله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ]، ففيها قراءتان، أشهرهما :﴿ أَوْ نُنسِهَا ﴾ أى : ننسيكم إياها، أى : نسخنا ما أنزلناه، أو اخترنا تنزيل ما نريد أن ننزله نأتكم بخير منه أو مثله، والثانية :( أو ننسأها ) بالهمز، أى نؤخرها، ولم يقرأ أحد :( ننساها )، فمن ظن أن معنى ننسأها بمعنى : ننساها، فهو جاهل بالعربية والتفسير، قال ـ موسى عليه السلام :﴿ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ﴾ [ طه : ٥٢ ]، و النسيان مضاف إلى العبد كما فى قوله :﴿ سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ ﴾ [ الأعلى : ٦، ٧ ] ؛ ولهذا قرأها بعض الصحابة :( أو تنساها ) أى : تنساها يا محمد، وهذا واضح لا يخفى إلا على جاهل، لا يفرق بين ننسأها بالهمز وبين ننساها بلا همز، واللّه أعلم.
قَال أبو العبَّاس أحْمَد بن تيمية ـ رَحِمهُ اللَّه تعالى :
فى قوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ الآية [ البقرة : ١٧٨ ]، وفيها قولان :


الصفحة التالية
Icon