أحدهما : أن القصاص هو القَوَد، وهو أخذ الدية بدل القتل، كما جاء عن ابن عباس أنه كان فى بنى إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية، فجعل اللّه فى هذه الأمة الدية فقال :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ]، والعفو هو أن يقبل الدية فى العَمْد ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] مما كان على بنى إسرائيل، والمراد على هذا القول أن يقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنِثى بالأنثى. قال قتادة : إن أهل الجاهلية كان فيهم بَغِىٌّ، وكان الحى إذا كان فيهم عدد وعُدَّة فقتل عبدَهم عبدُ قوم آخرين، لن يقتل به إلا حراً تعززاً على غيرهم، وإن قتلت امرأةٌ منهم امرأةً من آخرين قالوا : لن يقتل بها إلا رجلا، فنزلت هذه الآية. وهذا قول أكثر الفقهاء، وقد ذكر ذلك الشافعى وغيره.
ويحتج بها طائفة من أصحاب مالك والشافعى وأحمد على أن الحر لا يقتل بالعبد؛ لقوله :﴿ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] فينقض ذلك عليه بالمرأة؛ فإنه قال :﴿ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ]، وطائفة من المفسرين لم يذكروا هذا القول.
القول الثانى : أن القصاص فى القتلى يكون بين الطائفتين المقتتلتين قتال عَصَبِيَّة وجاهلية، فيقتل من هؤلاء ومن هؤلاء أحرار وعبيد ونساء، فأمر الله ـ تعالى ـ بالعدل بين الطائفتين، بأن يقاص دية حر بدية حر، ودية امرأة بدية امرأة، وعبد بعبد، فإن فضل لإحدى الطائفتين شىء بعد المقاصة فلتتبع الأخرى بمعروف، ولتؤد الأخرى إليها بإحسان، وهذا قول الشَّعْبِى وغيره، وقد ذكره محمد بن جرير الطبرى وغيره، وعلى هذا القول فإنه إذا جعل ظاهر الآية لزمته إشكالات، لكن المعنى الثانى هو مدلول الآية ومقتضاه ولا إشكال عليه، بخلاف القول الأول يستفاد من دلالة الآية، كما سننبه عليه إن شاء [ في المطبوعة : ـ إنشاد ـوهو خطأ ] الله تعالى، وما ذكرناه يظهر من وجوه :