وأيضا، فنفس انقياد القاتل للولى ليس هو قصاصا، بل الولي له أن يقتص وله ألا يقتص، وإنما سمى هذا قوداً لأن الولى يقوده، وهو بمنزلة تسليم السلعة إلى المشترى، ثم قال تعالى :﴿ الْحُرُّ بِالْحُرِّ ﴾ فكيف يقال : مثل هذا قصده القاتل، بل هذا الخطاب للأمة بالمقاصة والمعادلة فى القتل. والنبى ﷺ إنما قال :( كتاب اللّه القصاص ) لما كَسَرَتِ الرُّبَيِّع سِنّ جارية وامتنعوا من أخذ الأرْش، فقال أنس بن النضر : لا والذى بعثك بالحق لا تكسر ثنية الربيع، فقال النبى ﷺ :( يا أنس، كتاب اللّه القصاص ) فرضى القوم بالأرش، فقال النبى ﷺ :( إن من عباد اللّه من لو أقسم على اللّه لأبَرَّه )، كقوله تعالى :﴿ $ّالًجٍرٍوحّ قٌصّاصِ ﴾ [ المائدة : ٥٤ ]، يعنى ( كتاب اللّّه ) أن يؤخذ العضو بنظيره، فهذا قصاص لأنه مساواة؛ ولهذا كانت المكافآت فى الأعضاء والجروح معتبرة باتفاق العلماء، وإن قيل : القصاص هو أن يقتل قاتله لا غيره فهو خلاف الاعتداء، قيل : نعم ! وهذا قصاص فى الأحياء لا فى القتلى.
الثانى : أنه قال :﴿ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ﴾ ومعلوم باتفاق المسلمين أن العبد يقتل بالعبد وبالحر، والأنثى تقتل بالأنثى وبالذكر، والحر يقتل بالحر وبالأنثى ـ أيضا ـ عند عامة العلماء. وقيل : يشترط أن تؤدى تمام ديته، وإذا كان كذلك فقوله :﴿ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] إنما يدل على مقاصة الحر بالحر ومعادلته به ومقابلته به، وكذلك العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وهذا إنما يكون إذا كانوا مقتولين فيقابل كل واحد بالآخر، وينظر : أيتعادلان أم يفضل لأحدهما على الآخر فضل، أما فى القتلى فلا يختص هذا بهذا باتفاق المسلمين.