وقول من قال : إن قوله :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [ البقرة : ١٧٩ ]، معناه : أن القاتل إذا عرف أنه يقتل كف فكان فى ذلك حياة له وللمقتول، يقال له : هذا معنى صحيح، ولكن هذا مما يعرفه جميع الناس، وهو مغروز فى جِبِلَّتِهم، وليس فى الآدميين من يبيح قتل أحد من غير أن يقتل قاتله، بل كلهم مع التساوى يجوزون قتل القاتل ولا يتصور أن الناس... [ بياض بالأصل ] إذا كان كل من قَدَر على غيره قتله وهو لا يقتل يرضى بمال، وإذا كان هذا المعنى من أوائل ما يعرفه الآدميون ويعلمون أنهم لا يعيشون بدونه صار هذا مثل حاجتهم إلى الطعام والشراب والسكنى، فالقرآن أجل من أن يكون مقصوده التعريف بهذه الأمور البديهية، بل هذا مما يدخل فى معناه، وهو أنه إذا كتب عليهم القصاص فى المقتولين أنه يسقط حر بحر وعبد بعبد وأنثى بأنثى، فجعل دية هذا كدية هذا، ودم هذا كدم هذا متضمن لمساواتهم فى الدماء والديات، وكان بهذه المقاصة لهم حياة من الفتن التى توجب هلاكهم، كما هو معروف، وهذا المعنى مما يستفاد من هذه الآية، فعلم أن دم الحر وديته كدم الحر وديته فيقتل به، وإذا علم أن التقاص يقع للتساوى فى الديات علم أن للمقتول دية. ولفظ القصاص يدل على المعادلة والمساواة، فيدل على أن اللّه أوجب العدل والإنصاف فى أمر القتلى، فمن قتل غير قاتله فهو ظالم، والمقتول وأولياؤه إذا امتنعوا من إنصاف أولياء المقتول فهم ظالمون، هؤلاء خارجون عما أوجبه الله من العدل، وهؤلاء خارجون عما أوجبه الله من العدل.