قيل : عبيدهم كانوا متقاربين القيمة، وقوله :﴿ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] قد يراد به بالعبد المماثل به، كما يقال : ثوب بثوب وإن كان أحدهما أغلى قيمة، فذاك مما عفى له، وقد يعفى إذا لم تعرف قيمتهم وهو الغالب، فإن المقتولين فى الفتن عبيدهم الذين يقاتلون معهم، وهم يكونون تربيتهم عندهم لم يشتروهم، فهذا يكون مع العلم بتساوى القيمة ومع الجهل بتفاضلها؛ فإن المجهول كالمعدوم، ولو أتلف كل من الرجلين ثوب الآخر ولا يعلم واحد منهما قيمة واحد من الثوبين، قيل : ثوب بثوب، وهذا لأن الزيادة محتملة من الطرفين؛ يحتمل أن يكون ثوب هذا أغلى، ويحتمل أن يكون ثوب هذا أغلى، وليس ترجيح أحدهما أولى من الآخر، والأصل براءة ذمة كل واحد من الزيادة، فلا تشتغل الذمة بأمر مشكوك فيه لو كان الشك فى أحدهما، فكيف إذا كان من الطرفين ؟
فظهر حكمة قوله :﴿ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ﴾، وظهر بهذا أن القرآن دل على ما يحتاج الخلق إلى معرفته والعمل به، ويُحقن به دماؤهم ويحيون به، ودخل فى ذلك ما ذكره الآخرون من العدل فى القود.
ودلت الآية على أن القتلى يؤخذ لهم ديات، فدل على ثبوت الدية على القاتل، وأنها مختلفة باختلاف المقتولين، وهذا مما مَنَّ الله به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أثبت القصاص والدية.
وأما كون العفو هو قبول الدية فى العمد، وأنه يستحق العافى بمجرد عفوه ـ فالآية لم تتعرض لهذا.
ودلت هذه الآية على أن الطوائف المقتتلة تضمن كل منهما ما أتلفته الأخرى؛ من دم ومال بطريق الظلم؛ لقوله :﴿ مِنْ أَخِيهِ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] بخلاف ما أتلفه المسلمون للكفار، والكفار للمسلمين.
وأما القتال بتأويل ( كقتال أهل الجمل وصِفِّين ) فلا ضمان فيه ـ أيضا ـ بطريق الأولى عند الجمهور، فإنه إذا كان الكفار المتأولون لا يضمنون، فالمسلمون المتأولون أولى ألا يضمنوا.