وبيان دلالة الآية على ذلك : أن المقتولين إذا حبس حر بحر وعبد بعبد وأنثى بأنثى، فالحر من هؤلاء ليس قاتله هو ولى الحر من هؤلاء، بل قد يكون غيره، وكذلك العبد من هؤلاء ليس قاتله هو سيد العبد من هؤلاء بل قد يكون غيره، لكن لما كانوا مجتمعين متناصرين على قتال أولئك ومحاربتهم كان من قتله بعضهم فكلهم قتله، وكلهم يضمنونه؛ ولهذا ما فضل لأحد الطائفتين يؤخذ من مال الأخرى.
فإن قيل : إذا كان مستقراً فى فِطَر بنى آدم أن القاتل الظالم لنظيره يستحق أن يقتل، وليس فى الآدميين من يقول : إنه لا يقتل، فما الفائدة فى قوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا ﴾ أى : فى التوراة ﴿ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ﴾ الآية [ المائدة : ٤٥ ]، إذا كان مثل هذا الشرع يعرفه العقلاء كلهم ؟
قيل لهم : فائدته : بيان تساوى دماء بنى إسرائيل، وأن دماءهم متكافئة ليس لشريفهم مزية على ضعيفهم، وهذه الفائدة الجليلة التى جاءت بها شرائع الأنبياء، فأما الطوائف الخارجون عن شرائع الأنبياء فلا يحكمون بذلك مطلقاً، بل قد لا يقتلون الشريف، وإذا كان الملك عادلا فقد يفعل بعض ذلك، فهذا الذى كتبه الله فى التوراة من تكافؤ دمائهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، فحكم أيضاً فى المؤمنين به من جميع الأجناس بتكافؤ دمائهم، فالمسلم الحر يقتل بالمسلم الحر من جميع الأجناس باتفاق العلماء.