وبهذا ظهر الجواب عن احتجاج من احتج بآية التوراة على أن المسلم يقتل بالذمى؛ لقوله :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ و ( شَرْعُ من قَبْلنا شَرْعٌ لنا )، فإنه يقال : الذى كتب عليهم أن النفس منهم بالنفس منهم، وهم كلهم كانوا مؤمنين، لم يكن فيهم كافر، ولم يكن فى شريعتهم إبقاء كافر بينهم لا بجزية ولا غيرها، وهذا مثل شرع محمد صلى الله عليه وسلم؛ أن المسلمين تتكافأ دماؤهم، وليس فى الشريعتين أن دم الكافر يكافئ دم المسلم، بل جعل الإيمان هو الواجب للمكافآت دليل على انتفاء ذلك فى الكافر ـ سواء كان ذمياً أو مستأمناًـ لانتفاء الإيمان الواجب للمكافأة فيه، نعم يحتج بعمومه على العبد.
وليس فى العبد نصوص صريحة صحيحة كما فى الذمى، بل ما روى :( من قتل عبده قتلناه به )، وهذا لأنه إذا قتله ظالماً كان الإمام ولى دمه؛ لأن القاتل كما لا يرث المقتولَ إذا كان حراً، فكذلك لا يكون ولى دمه إذا كان عبداً، بل هذا أولى، كيف يكون دمه وهو القاتل ؟ بل لا يكون ولى دمه، بل ورثة القاتل السيد، لأنهم ورثته وهو بالحياة ولم يثبت له ولاية حتى تنتقل إليهم فيكون وليه الإمام. وحينئذ فللإمام قتله، فكل من قتل عبده كان للإمام أن يقتله.
و أيضا، فقد ثبت بالسنة والآثار أنه إذا مَثّل بعبده عتق عليه، وهذا مذهب مالك وأحمد وغيرهما، وقتله أشد أنواع المثْل، فلا يموت إلا حراً، لكن حريته لم تثبت فى حال الحياة حتى يرثه عصبته، بل حريته ثبتت حكما، وهو إذا كان عتق كان ولاؤه للمسلمين، فيكون الإمام هو وليه، فله قتل قاتل عبده.
وقد يحتج بهذا من يقول : إن قاتل عبد غيره لسيده قتله، وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح، والقول الآخر ليس معه نص صريح ولا قياس صحيح، وقد قال الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم : من قتل ولا ولى له كان الإمام ولى دمه، فله أن يقتل، وله أن يعفو على الدية، لا مجاناً.