يؤيد هذا أن من قال : لا يقتل حر بعبد يقول : إنه لا يقتل الذمى الحر بالعبد المسلم، قال اللّه ـ تعالى ـ فى كتابه :﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ]، فالعبد المؤمن خير من الذمى المشرك، فكيف لا يقتل به ؟ ! والعبد المؤمن مثل الحرائر المؤمنات، كما دلت عليه هذه الآية، وهو قول جماهير السلف والخلف، وهذا قوى على قول أحمد؛ فإنه يجوز شهادة العبد كالحر، بخلاف الذمى، فلماذا لا يقتل الحر بالعبد وكلهم مؤمنون، وقد قال النبى ﷺ :( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ) ؟ !.
قال شيخ الإِسلاَم ـ رَحِمهُ اللَّه :
قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] من باب بدل الاشتمال، والسؤال إنما وقع عن القتال فيه، فلم قدّم الشهر وقد قلتم : إنهم يقدمون ما بيانه أهم وهم به أعنى ؟
قيل : السؤال لم يقع منهم إلا بعد وقوع القتال فى الشهر وتشنيع أعدائهم عليهم انتهاكه وانتهاك حرمته، وكان اهتمامهم بالشهر فوق اهتمامهم بالقتال، فالسؤال إنما وقع من أجل حرمة الشهر، فلذلك قدم فى الذِّكْر، وكان تقديمه مطابقا لما ذكرنا من القاعدة.
فإن قيل : فما الفائدة فى إعادة ذكر القتال بلفظ الظاهر، وهلا اكتفى بضميره فقال : هو كبير ؟ وأنت إذا قلت : سألته عن زيد هو فى الدار كان أوجز من أن تقول : أزيد فى الدار ؟
قيل : فى إعادته بلفظ الظاهر بلاغة بديعة، وهو تعليق الحكم الخبرى باسم القتال فيه عموماً، ولو أتى بالمضمر فقال : هو كبير، لتَوَهَّم اختصاص الحكم بذلك القتال المسؤول عنه. وليس الأمر كذلك؛ وإنما هو عام فى كل قتال وقع فى شهر حرام.