ونظير هذه القاعدة قوله ﷺ ـ وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال :( هو الطَّهُور ماؤه )، فأعاد لفظ الماء ولم يقتصر على قوله :( نعم توضؤوا به ) ؛ لئلا يتوهم اختصاص الحكم بالسائلين لضرب من ضروب الاختصاص فعدل عن قوله :( نعم توضؤوا ) إلى جواب عام يقتضى تعليق الحكم والطهور به بنفس مائه من حيث هو، فأفاد استمرار الحكم على الدوام، وتعلقه بعموم الأمة، وبطل توهم قصره على السبب، فتأمله فإنه بديع.
فكذلك فى الآية لما قال :﴿ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾، فجعل الخبر بـ ﴿ كَبِيرٌ ﴾ واقعا عن ﴿ قِتَالٌ فِيهِ ﴾ فيتعلق الحكم به على العموم، ولفظ ( المضمر ) لا يقتضى ذلك.
وقريب من هذا قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين ﴾ [ الأعراف : ١٧٠ ] ولم يقل : أجرهم، تعليقا لهذا الحكم بالوصف وهو كونهم مصلحين، وليس فى الضمير ما يدل على الوصف المذكور.
وقريب منه ـ وهو ألطف منه ـ قوله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ]، ولم يقل فيه تعليقاً بحكم الاعتزال بنفس الحيض، وأنه هو سبب الاعتزال، وقال :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ ولم يقل :( المحيض أذى ) لأنه جاء به على الأصل، ولأنه لو كرره لثقل اللفظ به لتكرره ثلاث مرات، وكان ذكره بلفظ الظاهر فى الأمر بالاعتزال أحسن من ذكره مضمرا ليفيد تعليق الحكم بكونه حيضا، بخلاف قوله :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ فإنه إخبار بالواقع، والمخاطبون يعلمون أن جهة كونه أذى هو نفس كونه حيضاً، بخلاف تعليق الحكم به، فإنه إنما يعلم بالشرع، فتأمله.
سُئِلَ شيخ الإسلام، عن قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ]، وقد أباح العلماء التزويج بالنصرانية واليهودية، فهل هما من المشركين أم لا ؟
فأجاب :