فإذا قيل : أهل الكتاب لم يكونوا من هذه الجهة مشركين؛ فإن الكتاب الذى أضيفوا إليه لا شرك فيه، كما إذا قيل : المسلمون وأمة محمد لم يكن فيهم من هذه الجهة لا اتحاد، ولا رفض، ولا تكذيب بالقدر، ولا غير ذلك من البدع، وإن كان بعض الداخلين فى الأمة قد ابتدع هذه البدع، لكن أمة محمد ﷺ لا تجتمع على ضلالة. فلا يزال فيها من هو متبع لشريعة التوحيد، بخلاف أهل الكتاب، ولم يخبر الله ـ عز وجل ـ عن أهل الكتاب أنهم مشركون بالاسم، بل قال :﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ بالفعل، وآية البقرة قال فيها :﴿ المشركين ﴾ و ﴿ المشركات ﴾ بالاسم، والاسم أوكد من الفعل.
الوجه الثانى : أن يقال : إن شملهم لفظ ﴿ المشركين ﴾ فى سورة البقرة كما وصفهم بالشرك، فهذا متوجه بأن يفرق بين دلالة اللفظ مفرداً ومقروناً، فإذا أفردوا دخل فيهم أهل الكتاب، وإذا قرنوا بأهل الكتاب لم يدخلوا فيهم، كما قيل مثل هذا فى اسم الفقير والمسكين ونحو ذلك، فعلى هذا يقال : آية البقرة عامة، وتلك خاصة، والخاص يقدم على العام.
الوجه الثالث : أن يقال : آية المائدة ناسخة لآية البقرة؛ لأن المائدة نزلت بعد البقرة باتفاق العلماء، وقد جاء فى الحديث المائدة من [ آخر ما وجد من الأصل ].
وقال شيخ الإِسَلام ـ رَحِمهُ الله :

فصل


لما ذكر ـ سبحانه ـ ما يبطل الصدقة من المن والأذى ومن الرياء، ومثله بالتراب على الصَّفْوان [ أى الحجارة الملس. انظر : المصباح المنير، مادة : صفو ] إذا أصابه المطر؛ ولهذا قال :﴿ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ]، لأن الإيمان بأحدهما لا ينفع هنا، بخلاف قوله فى النساء :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ إلى قوله :﴿ وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [ النساء : ٣٦-٣٨ ].


الصفحة التالية
Icon