والخوارج لا يتمسكون من السنة إلا بما فسر مجملها، دون ما خالف ظاهر القرآن عندهم، فلا يرجمون الزاني، ولا يرون للسرقة نصابًا، وحينئذ فقد يقولون : ليس في القرآن قتل المرتد، فقد يكون المرتد عندهم نوعين.
وأقوال الخوارج إنما عرفناها من نقل الناس عنهم، لم نقف لهم على كتاب مصنف، كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة، والزيدية والكرّامية والأشعرية، والسالمية، وأهل المذاهب الأربعة، والظاهرية، ومذاهب أهل الحديث، والفلاسفة، والصوفية، ونحو هؤلاء.
وقد بسط الكلام على تفصيل القول في أقوال هؤلاء في غير هذا الموضع.
وإن الناس في ترتيب أهل الأهواء على أقسام :
منهم من يرتبهم على زمان حدوثهم، فيبدأ بالخوارج.
ومنهم من يرتبهم بحسب خفة أمرهم وغلظه فيبدأ بالمرجئة، ويختم بالجهمية، كما فعله كثير من أصحاب أحمد ـ رضي اللّه عنه ـ كعبد الله ابنه ونحوه، وكالخلال، وأبي عبد اللّه بن بطة، وأمثالهما، وكأبي الفرج المقدسي، وكلا الطائفتين تختم بالجهمية؛ لأنهم أغلظ البدع، وكالبخاري في صحيحه فإنه بدأ بـ ( كتاب الإيمان والرد على المرجئة )، وختمه ( بكتاب التوحيد والرد على الزنادقة والجهمية ).
ولما صنف الكتاب في الكلام صاروا يقدمون التوحيد والصفات، فيكون الكلام أولاً مع الجهمية، وكذلك رتب أبو القاسم الطبري كتابه في أصول السنة، والبيهقي أفرد لكل صنف مصنفًا، فله مصنف في الصفات، ومصنف في القدر، ومصنف في شعب الإيمان، ومصنف في دلائل النبوة، ومصنف في البعث والنشور، وبسط هذه الأمور له موضع آخر.