قال :( نعم ).
وروى سعيد بن جُبَيْر عن ابن عباس معناه، وقال :( قد فَعَلْتُ، قد فَعَلْتُ )، بدل ( نعم ).
ولهذا قال كثير من السلف والخلف : إنها منسوخة بقوله :﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾، كما نقل ذلك عن ابن مسعود، وأبى هريرة، وابن عمر، وابن عباس فى رواية عنه، والحسن، والشَّعْبِى، وابن سِيرِين، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء الخراسانى، والسُّدِّىّ، ومحمد بن كعب، ومقاتل، والكلبى، وابن زيد، ونقل عن آخرين أنها ليست منسوخة، بل هى ثابتة فى المحاسبة على العموم، فيأخذ من يشاء ويغفر لمن يشاء، كما نقل ذلك عن ابن عمر، والحسن، واختاره أبو سليمان الدمشقى والقاضى أبو يعلى، وقالوا : هذا خبر، والأخبار لا تنسخ.
وفصل الخطاب : أن لفظ ( النسخ ) مجمل، فالسلف كانوا يستعملونه فيما يظن دلالة الآية عليه، من عموم أو إطلاق أو غير ذلك، كما قال من قال : إن قوله :﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ]، ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [ الحج : ٧٨ ]، نسخ بقوله :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [ التغابن : ١٦ ]، وليس بين الآيتين تناقض، لكن قد يفهم بعض الناس من قوله :﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ و ﴿ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ الأمر بما لا يستطيعه العبد فينسخ ما فهمه هذا، كما ينسخ اللّه ما يلقى الشيطان ويحكم اللّه آياته. وإن لم يكن نسخ ذلك نسخ ما أنزله، بل نسخ ما ألقاه الشيطان، إما من الأنفس أو من الأسماع أو من اللسان.
وكذلك ينسخ اللّه ما يقع فى النفوس من فهم معنى، وإن كانت الآية لم تدل عليه لكنه محتمل وهذه الآية من هذا الباب؛ فإن قوله :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ﴾ الآية إنما تدل على أن اللّه يحاسب بما فى النفوس لا على أنه يعاقب على كل ما فى النفوس، وقوله :﴿ لِمَن يَشَاء ﴾ يقتضى أن الأمر إليه فى المغفرة والعذاب لا إلى غيره.


الصفحة التالية
Icon