قيل : هذه مغلطة؛ وذلك أن مجرد قدرته على الفعل لا يلزم فيها تغيير العلم، وإنما يظن من يظن تغيير العلم إذا وقع الفعل، ولو وقع الفعل لكان المعلوم وقوعه، لا عدم وقوعه، فيمتنع أن يحصل وقوع الفعل مع علم اللّه بعدم وقوعه، بل إن وقع كان اللّه قد علم أنه يقع، وإن لم يقع كان اللّه قد علم أنه لا يقع، ونحن لا نعرف علم اللّه إلا بما يظهر، و علم اللّه مطابق للواقع، فيمتنع أن يقع شىء يستلزم تغيير العلم، بل أى شىء وقع كان هو المعلوم، والعبد الذى لم يفعل لم يأت بشىء يغير العلم، بل هو قادر على فعل ما لم يقع، ولو وقع لكان الله قد علم أنه يقع لا أنه لا يقع.
وإذا قيل : فمع عدم وقوعه يعلم الله أنه لا يقع، فلو قدر العبد على وقوعه قدر على تغيير العلم.
قيل : ليس الأمر كذلك، بل العبد يقدر على وقوعه، وهو لم يوقعه، ولو أوقعه لم يكن المعلوم إلا وقوعه، فمقدور العبد إذا وقع لم يكن المعلوم إلا وقوعه، فإذا وقع كان اللّه عالماً أنه سيقع، وإذا لم يقع كان اللّه عالماً بأنه لا يقع البَتةَ، فإذا فرض وقوعه مع انتفاء لازم الوقوع صار محالا من جهة إثبات الملزوم بدون لازمه، وكل الأشياء بهذا الاعتبار هى محال.
ومما يلزم هؤلاء ألاّ يبقى أحد قادراً على شىء إلا الرب؛ فإن الأمور نوعان : نوع علم اللّه أنه سيكون، ونوع علم الله أنه لا يكون.
فالأول لابد من وقوعه، والثانى لا يقع البتة. فما علم الله أنه سيقع يعلم أنه يقع بمشيئته وقدرته، وما علم أنه لا يقع يعلم أنه لا يشاؤه، وهو ـ سبحانه ـ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وأما ( المعتزلة ) فعندهم أنه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء، وأولئك ( المجبرة ) فى جانب، وهؤلاء فى جانب، وأهل السنة وَسَط.


الصفحة التالية
Icon