ومما يدخل فى ذلك نيات الأعمال، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. والنية : هى مما يخفيه الإنسان فى نفسه، فإن كان قصده ابتغاء وجه ربه الأعلى استحق الثواب، وإن كان قصده رياء الناس استحق العقاب، كما قال تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ﴾ [ الماعون : ٤ ـ ٦ ] وقال :﴿ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ ﴾ [ النساء : ١٤٢ ].
وفى حديث أبى هريرة الصحيح فى الثلاثة الذين أول من تُسَعَّر بهم النار : فى الذى تَعَلَّم وعَلَّم ليقال : عالم وقارئ، والذى قاتل ليقال : جرىء وشجاع، والذى تصدق ليقال : جواد وكريم. فهؤلاء إنما كان قصدهم مدح الناس لهم، وتعظيمهم لهم وطلب الجاه عندهم، لم يقصدوا بذلك وجه اللّه، وإن كانت صور أعمالهم صوراً حسنة، فهؤلاء إذا حوسبوا كانوا ممن يستحق العذاب، كما فى الحديث :( من طلب العلم ليُبَاهِى به العلماء، أو ليُمَارِى به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فله من عمله النار )، وفى الحديث الآخر :( من طلب علما مما يبتغى به وجه اللّه لا يطلبه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا لم يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام ).
وفى الجملة، القلب هو الأصل، كما قال أبو هريرة : القلب ملك الأعضاء، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث خبثت جنوده، وهذا كما فى حديث النعمان بن بشير ـ المتفق عليه ـ أن النبى ﷺ قال :( إن فى الجسد مُضْغَةً إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهى القلب فصلاحه وفساده يستلزم صلاح الجسد وفساده، فيكون هذا مما أبداه لا مما أخفاه.


الصفحة التالية
Icon