وكل ما أوجبه اللّه على العباد لابد أن يجب على القلب فإنه الأصل، وإن وجب على غيره تبعا، فالعبد المأمور المنهى إنما يعلم بالأمر والنهى قلبه، وإنما يقصد الطاعة والامتثال القلب، والعلم بالمأمور والامتثال يكون قبل وجود الفعل المأمور به، كالصلاة، والزكاة، والصيام. وإذا كان العبد قد أعرض عن معرفة الأمر وقصد الامتثال، كان أول المعصية منه، بل كان هو العاصى وغيره تبع له فى ذلك؛ ولهذا قال فى حق الشقى :﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [ القيامة : ٣١، ٣٢ ] الآيات، وقال فى حق السعداء :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [ الكهف : ٣٠ ] فى غير موضع. والمأمور نوعان :
نوع هو عمل ظاهر على الجوارح، وهذا لا يكون إلا بعلم القلب وإرادته. فالقلب هو الأصل فيه، كالوضوء والاغتسال، وكأفعال الصلاة؛ من القيام، والركوع، والسجود، وأفعال الحج؛ من الوقوف، والطواف، وإن كانت أقوالا فالقلب أخص بها، فلابد أن يعلم القلب وجود ما يقوله، أو بما يقول ويقصده.
ولهذا كانت الأقوال فى الشرع لا تعتبر إلا من عاقل يعلم ما يقول ويقصده، فأما المجنون والطفل الذى لا يميز فأقواله كلها لغو فى الشرع، لا يصح منه إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولاشىء من الأقوال باتفاق المسلمين، وكذلك النائم إذا تكلم فى منامه، فأقواله كلها لغو، سواء تكلم المجنون والنائم بطلاق أو كفر أوغيره، وهذا بخلاف الطفل؛ فإن المجنون والنائم إذا أتلف مالا ضمنه، ولو قتل نفساً وجبت ديتها كما تجب دية الخطأ.
وتنازع العلماء فى السكران، مع اتفاقهم أنه لا تصح صلاته؛لقوله ﷺ :( مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفَرِّقوا بينهم فى المضاجع ) وهو معروف فى السنن.