وزعم جَهْم ومن وافقه أنه يكون مؤمناً فى الباطن... [ بياض الأصل ] وأن مجرد معرفة القلب وتصديقه يكون إيماناً يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر، وهذا باطل شرعا وعقلا ـ كما قد بسط فى غير هذا الموضع. وقد كَفَّر السلف ـ كوَكِيع وأحمد وغيرهما ـ من يقول بهذا القول، وقد قال النبى ﷺ :( إن فى الجسد مُضْغَةً إذا صلُحَتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب )، فبين أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد. فإذا كان الجسد غير صالح دل على أن القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح، فعلم أن من يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمناً، حتى إن المكره إذا كان فى إظهار الإيمان فلابد أن يتكلم مع نفسه وفى السر مع من يأمن إليه، ولابد أن يظهر على صَفَحات وجهه وفَلَتات لسانه، كما قال عثمان. وأما إذا لم يظهر أثر ذلك ـ لا بقوله ولا بفعله قط ـ فإنه يدل على أنه ليس فى القلب إيمان.
وذلك أن الجسد تابع للقلب، فلا يستقر شىء فى القلب إلا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه، وإن لم يظهر كل موجبه لمعارض فالمقتضى لظهور موجبه قائم؛ والمعارض لا يكون لازما للإنسان لزوم القلب له، وإنما يكون فى بعض الأحوال متعذراً إذا كتم ما فى قلبه كمؤمن آل فرعون، مع أنه قد دعى إلى الايمان دعاء ظهر به من إيمان قلبه ما لا يظهر من إيمان من أعلن إيمانه بين موافقيه، وهذا فى معرفة القلب وتصديقه.
ومنها قصد القلب وعزمه إذا قصد الفعل وعزم عليه مع قدرته على ما قصده، هل يمكن ألا يوجد شىء مما قصده وعزم عليه ؟ فيه قولان، أصحهما أنه إذا حصل القصد الجازم مع القدرة وجب وجود المقدور، وحيث لم يفعل العبد مقدوره دل على أنه ليس هناك قصد جازم، وقد يحصل قصد جازم مع العجز عن المقدور لكن يحصل معه مقدمات المقدور، وقيل : بل قد يمكن حصول العزم التام بدون أمر ظاهر.


الصفحة التالية
Icon