وهذا نظير قول من قال ذلك فى المعرفة والتصديق، وهما من أقوال أتباع جَهْم الذين نصروا قوله فى الإيمان، كالقاضى أبى بكر وأمثاله، فإنهم نصروا قوله، وخالفوا السلف والأئمة وعامة طوائف المسلمين.
وبهذا ينفصل النزاع فى مؤاخذة العبد بالْهَمَّة، فمن الناس من قال : يؤاخذ بها إذا كانت عَزْما، ومنهم من قال : لا يؤاخذ بها. والتحقيق : أن الهمة إذا صارت عزما فلابد أن يقترن بها قول أو فعل؛ فإن الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
والذين قالوا : يؤاخذ بها احتجوا بقوله :( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار ) الحديث، وهذا لا حجة فيه؛ فإنه ذكر ذلك فى رجلين اقتتلا، كل منهما يريد قتل الآخر، وهذا ليس عزماً مجرداً، بل هو عزم مع فعل المقدور، لكنه عاجز عن إتمام مراده، وهذا يؤاخذ باتفاق المسلمين، فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى فى ذلك بقوله وعمله ثم عجز فإنه آثم باتفاق المسلمين، وهو كالشارب وإن لم يقع منه شرب، وكذلك من اجتهد على الزنا والسرقة ونحو ذلك بقوله وعمله ثم عجز فهو آثم كالفاعل، ومثل ذلك فى قتل النفس وغيره، كما جعل الداعى إلى الخير له مثل أجر المدعو ووزره لأنه أراد فعل المدعو، وفعل ما يقدر عليه، فالإرادة الجازمة، مع فعل المقدور من ذلك، فيحصل له مثل أجر الفاعل ووزره، وقد قال تعالى :﴿ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ﴾ الآية [ النساء : ٩٥ ].
وفصل الخطاب فى الآية : أن ﴿ أٍوًلٌي بضَّرّر ﴾ نوعان :