وقد يقال : إن ﴿ دَرَجَةً ﴾ منصوب على التمييز، كما قال :﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً ﴾ أى فضل درجتهم على درجتهم أفضل، كما يقال : فضل هذا على هذا منزلا ومقاماً، وقد يراد بالدرجة جنس الدرج، وهى المنزلة والمستقر، ولا يراد به درجة واحدة من العدد، وقوله :﴿ وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ ﴾، منصوب بـ ﴿ فَضَّلَ ﴾ ؛ لأن التفضيل زيادة للمفضل، فالتقدير : زادهم عليهم أجراً عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة، فهذا النزاع فى العازم الجازم إذا فعل مقدوره هل يكون كالفاعل فى الأجر والوزر أم لا ؟ وأما فى استحقاق الأجر والوزر فلا نزاع فى ذلك، وقوله :( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ) فيه حرص كل واحد منهما على قتل صاحبه وفعل مقدوره، فكلاهما مستحق للنار، ويبقى الكلام فى تساوى القعودين بشىء آخر.
وهكذا حال المقتتلين من المسلمين فى الفتن الواقعة بينهم، فلا تكون عاقبتهما إلا عاقبة سوء، الغالب والمغلوب، فإنه لم يحصل له دنيا ولا آخرة، كما قال الشعبى : أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أشقياء، وأما الغالب فإنه يحصل له حظ عاجل ثم ينتقم منه فى الآخرة، وقد يعجل الله له الانتقام فى الدنيا، كما جرى لعامة الغالبين فى الفتن. فإنهم أصيبوا فى الدنيا، كالغالبين فى الحرة، وفتنة أبى مسلم الخراسانى ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon