ثم بناء البيت الحرام وتقرير تعظيمه، وذكر بانيه والثناء عليه، ثم تقرير الحنيفية ملة إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتسفيه من رغب عنها، ووصية بنيه بها وهكذا شيئاً فشيئاً إلى آخر السورة، فختمها اللّه تعالى بآيات جوامع مقررة لجميع مضمون السورة، فقال تعالى :﴿ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ].
فأخبر ـ تعالى ـ أن ما فى السموات وما فى الأرض ملكه وحده لا يشاركه فيه مشارك، وهذا يتضمن انفراده بالملك الحق، والملك العام لكل موجود، وذلك يتضمن توحيد ربوبيته وتوحيد إلهيته، فتضمن نفى الولد والصاحبة والشريك؛ لأن ما فى السموات وما فى الأرض إذا كان ملكه وخلقه لم يكن له فيهم ولد ولا صاحبة ولا شريك.
وقد استدل ـ سبحانه ـ بعين هذا الدليل فى سورة الأنعام، وسورة مريم، فقال تعالى :﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠١ ]، وقال تعالى ـ فى سورة مريم :﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [ مريم : ٩٢، ٩٣ ]، ويتضمن ذلك أن الرغبة والسؤال والطلب والافتقار لا يكون إلا إليه وحده؛ إذ هو المالك لما فى السموات والأرض.


الصفحة التالية
Icon