ولما كان تصرفه ـ سبحانه ـ فى خلقه لا يخرج عن العدل والإحسان وهو تصرف بخلقه وأمره، وأخبر أن ما فى السموات وما فى الأرض ملكه، فما تصرف خلقاً وأمراً إلا فى ملكه الحقيقى، وكانت سورة البقرة مشتملة من الأمر والخلق على ما لم يشتمل عليه سورة غيرها أخبر ـ تعالى ـ أن ذلك صدر منه فى ملكه، قال تعالى :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ]، فهذا متضمن لكمال علمه ـ سبحانه وتعالى ـ بسرائر عباده وظواهرهم، وأنه لا يخرج شىء من ذلك عن علمه، كما لم يخرج شىء ممن فى السموات والأرض عن ملكه، فعلمه عام وملكه عام.
ثم أخبر ـ تعالى ـ عن محاسبته لهم بذلك، وهى تعريفهم ما أبدوه أو أخفوه، فتضمن ذلك علمه بهم وتعريفهم إياه، ثم قال :﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ﴾ فتضمن ذلك قيامه عليهم بالعدل والفضل، فيغفر لمن يشاء فضلا، ويعذب من يشاء عدلا، وذلك يتضمن الثواب والعقاب المستلزم للأمر والنهى، المستلزم للرسالة والنبوة.
ثم قال تعالى :﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، فتضمن ذلك أنه لا يخرج شىء عن قدرته الْبَتّةَ، وأن كل مقدور واقع بقدره، ففى ذلك رد على المجوس الثنوية، والفلاسفة، والقدرية المجوسية، وعلى كل من أخرج شيئا من المقدورات عن خلقه وقدرته ـ وهم طوائف كثيرون.
فتضمنت الآية إثبات التوحيد، وإثبات العلم بالجزئيات والكليات، وإثبات الشرائع والنبوات، وإثبات المعاد والثواب والعقاب، وقيام الرب على خلقه بالعدل والفضل، وإثبات كمال القدرة وعمومها، وذلك يتضمن حدوث العالم بأسره؛ لأن القديم لا يكون مقدوراً ولا مفعولا.