ثم إن إثبات كمال علمه وقدرته يستلزم إثبات سائر صفاته العلى، وله من كل صفة اسم حسن، فيتضمن إثبات أسمائه الحسنى، وكمال القدرة يستلزم أن يكون فعالا لما يريد، وذلك يتضمن تنزيهه عن كل ما يضاد كماله، فيتضمن تنزيهه عن الظلم المنافى لكمال غناه وكمال علمه؛ إذ الظلم إنما يصدر عن محتاج أو جاهل، وأما الغنى عن كل شىء العالم بكل شىء ـ سبحانه ـ فإنه يستحيل منه الظلم، كما يستحيل عليه العجز المنافى لكمال قدرته، والجهل المنافى لكمال علمه.
فتضمنت الآية هذه المعارف كلها بأوجز عبارة، وأفصح لفظ، وأوضح معنى.
وقد عَرفتَ بهذا أن الآية لا تقتضى العقاب على خواطر النفوس المجردة، بل إنما تقتضى محاسبة الرب عبده بها، وهى أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص، وبعد محاسبته بها يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وعلى هذا فالآية محكمة لا نسخ فيها، ومن قال من السلف : نسخها ما بعدها فمراده بيان معناها والمراد منها، وذلك يسمى نسخاً فى لسان السلف، كما يسمون الاستثناء نسخاً.
ثم قال تعالى :﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ]، فهذه شهادة الله ـ تعالى ـ لرسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بإيمانه بما أنزل إليه من ربه، وذلك يتضمن إعطاءه ثواب أكمل أهل الإيمان ـ زيادة على ثواب الرسالة والنبوة ـ لأنه شارك المؤمنين فى الإيمان، ونال منه أعلى مراتبه، وامتاز عنهم بالرسالة والنبوة، وقوله :﴿ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ﴾ يتضمن أنه كلامه الذى تكلم به، ومنه نزل لا من غيره، كما قال تعالى :﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ ﴾ [ النحل : ١٠٢ ]، وقال :﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الواقعة : ٨٠، والحاقة : ٤٣ ].