وهذا أحد ما احتج به أهل السنة على المعتزلة القائلين بأن الله لم يتكلم بالقرآن، قالوا : فلو كان كلاما لغير الله لكان منزلا من ذلك المحل لا من الله؛ فإن القرآن صفة لا تقوم بنفسها، بخلاف قوله :﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ [ الجاثية : ٣١ ]، فإن تلك أعيان قائمة بنفسها، فهى منه خلقا، وأما ( الكلام ) فوصف قائم بالمتكلم، فلما كان منه فهو كلامه؛ إذ يستحيل أن يكون منه ولم يتكلم به.
ثم شهد ـ تعالى ـ للمؤمنين بأنهم آمنوا بما آمن به رسولهم، ثم شهد لهم جميعا بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، فتضمنت هذه الشهادة إيمانهم بقواعد الإيمان الخمسة التى لا يكون أحد مؤمناً إلا بها، وهى : الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.
وقد ذكر ـ تعالى ـ هذه الأصول الخمسة فى أول السورة ووسطها وآخرها، فقال فى أولها :﴿ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٤ ]، فالإيمان بما أنزل إليه وما أنزل من قبله يتضمن الإيمان بالكتب والرسل والملائكة، ثم قال :﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾، والإيمان بالله يدخل فى الإيمان بالغيب وفى الإيمان بالكتب والرسل، فتضمنت الإيمان بالقواعد الخمس.