ثم سألوه العفو والمغفرة والرحمة والنصر على الأعداء؛ فإن بهذه الأربعة تتم لهم النعمة المطلقة، ولا يصفو عيش فى الدنيا والآخرة إلا بها، وعليها مدار السعادة والفلاح، فالعفو متضمن لإسقاط حقه قبلهم ومسامحتهم به، والمغفرة متضمنة لوقايتهم شر ذنوبهم وإقباله عليهم ورضاه عنهم، بخلاف العفو المجرد؛ فإن العافى قد يعفو ولا يقبل على من عفا عنه ولا يرضى عنه، فالعفو ترك محض، والمغفرة إحسان وفضل وجود، والرحمة متضمنة للأمرين مع زيادة الإحسان والعطف والبر، فالثلاثة تتضمن النجاة من الشر والفوز بالخير، والنصرة تتضمن التمكين من إعلان عبادته وإظهار دينه، وإعلاء كلمته، وقهر أعدائه، وشفاء صدورهم منهم، وإذهاب غيظ قلوبهم، وحزازات نفوسهم، وتوسلوا فى خلال هذا الدعاء إليه باعترافهم أنه مولاهم الحق الذى لا مولى لهم سواه، فهو ناصرهم، وهاديهم، وكافيهم، ومعينهم، ومجيب دعواتهم، ومعبودهم.
فلما تحققت قلوبهم بهذه المعارف وانقادت وذَلَّتْ لعزة ربها ومولاها وأجابتها جوارحهم، أعطوا كل ما سألوه من ذلك، فلم يسألوا شيئاً منه إلا قال اللّه ـ تعالى :( قد فعلتُ )، كما ثبت فى الصحيح عن النبى ﷺ ذلك.
فهذه كلمات قصيرة مختصرة فى معرفة مقدار هذه الآيات العظيمة الشأن، الجليلة المقدار، التى خص الله بها رسوله محمداً ﷺ وأمته من كنز تحت العرش.
وبعد، ففيها من المعارف وحقائق العلوم ما تعجز عقول البشر عن الإحاطة به، واللّه المرغوب إليه ألاّ يحرمنا الفهم فى كتابه، إنه رحيم ودود.
والحمد للّه وحده، وصلى اللّه وسلم على من لا نبى بعده وآله وصحبه أجمعين.
وَقالَ ـ رحمه اللَّه :

فصل


فى الدعاء المذكور في آخر ( سورة البقرة ) وهو قوله :﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ إلى آخرها [ البقرة : ٦٨٢ ].


الصفحة التالية
Icon