وبالجملة، فلا يمكن المنازعة أن الإيمان الذي أوجبه الله يتباين فيه أحوال الناس، ويتفاضلون في إيمانهم ودينهم بحسب ذلك؛ ولهذا قال النبي ﷺ في النساء :( ناقصات عقل ودين ) وقال في نقصان دينهن :( إنها إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي )، وهذا مما أمر الله به، فليس هذا النقص دينا لها تعاقب عليه، لكن هو نقص، حيث لم تؤمر بالعبادة في هذا الحال، والرجل كامل حيث أمر بالعبادة في كل حال، فدل ذلك على أن من أمر بطاعة يفعلها كان أفضل ممن لم يؤمر بها وإن لم يكن عاصيًا، فهذا أفضل دينًا وإيمانًا، وهذا المفضول ليس بمعاقب ومذموم، فهذه زيادة كزيادة الإيمان بالتطوعات، لكن هذه زيادة بواجب في حق شخص، وليس بواجب في حق شخص غيره، فهذه الزيادة لو تركها بهذا لا يستحق العقاب بتركها، وذاك لا يستحق العقاب بتركها، ولكن إيمان ذلك أكمل، قال النبي ﷺ :( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ).
فهذا يبين تفاضل الإيمان في نفس الأمر به، وفي نفس الأخبار التي يجب التصديق بها.
والنوع الثاني : هو تفاضل الناس في الإتيان به مع استوائهم في الواجب، وهذا هو الذي يظن أنه محل النزاع وكلاهما محل النزاع. وهذا أيضًا يتفاضلون فيه، فليس إيمان السارق والزاني والشارب كإيمان غيرهم، ولا إيمان من أدى الواجبات كإيمان من أخل ببعضها، كما أنه ليس دين هذا وبره وتقواه مثل دين هذا وبره وتقواه، بل هذا أفضل دينًا وبرًا وتقوى، فهو كذلك أفضل إيمانًا، كما قال النبي ﷺ :( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا )، وقد يجتمع في العبد إيمان ونفاق، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ قال :( أربع من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلَة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعَها : إذا حَدَّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فَجَر ).