وكذلك قول العبد : حُطَّ عنا خطايانا، دعاء للّه وخضوع، وقد قال تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ]، وهذه الأفعال المدعو بها فى آخر البقرة أمور مطلوبة للعباد.
وقد أجيب بجواب آخر وهو : أن اللّه تعالى إذا قدر أمراً فإنه يقدر أسبابه، والدعاء من جملة أسبابه، كما أنه لما قدر النصر يوم بَدْر، وأخبر النبى ﷺ قبل وقوعه أصحابه بالنصر وبمصارع القوم، كان من أسباب ذلك استغاثة النبى ﷺ ودعاؤه، وكذلك ما وعده به ربه من الوسيلة، وقد قضى بها له، وقد أمر أمته بطلبها له، وهو ـ سبحانه ـ قدرها بأسباب، منها ما سيكون من الدعاء.
وعلى هذا، فالداخل فى السبب هو ما وقع من الدعاء المأمور به واللّه أعلم بذلك، فيثيب هذا الداعى على ما فعله من الدعاء بجعله تمام السبب، ولا يكون على هذا الدعاء سبباً فى اختصاصه بشىء من ذلك، بل فى حصوله لمجموع الأمة، لكن هو يثاب على الدعاء لكونه من جملة الأسباب؛ وهذا لأن النبى ﷺ قال :( ما من عبد يدعو اللّه بدعوة ليس فيها إثم ولا قَطِعيةُ رَحِمٍ إلا أعطاه الله بها إحدى خِصال ثلاث : إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يَدَّخِر له من الخير مثلها، وإما أن يدفع عنه من البلاء مثلها ). قالوا : يا رسول اللّه، إذا نُكْثِر. قال :( الله أكثر ). فالداعى بهذا كالداعى بالوسيلة يحصل له من الأجر ما يخصه كالداعي للأمة ولأخيه الغائب، ودعاؤه من أسباب الخير التى بها رحمة الأمة، كما يثاب على سؤاله الوسيلة للنبى ﷺ بأن تحل عليه الشفاعة يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon