وهنا جواب ثالث وهو : أن كل من دعا بهذا الدعاء حصل له من المدعو المطلوب ما لا يحصل بدون المطلوب من الدعاء، فيكون الدعاء به كدعائه بسائر مطالبه من المغفرة والرحمة، وليس هو كدعاء الغائب للغائب، فإن الملك يقول هناك :( ولك بمثله )، فيدعو له الملك بمثل ما دعا به للغائب، وهنا هو داع لنفسه وللمؤمنين.
وبيان هذا أن الشرع، وإن كان قد استقر بموت النبى صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر أن اللّه تجاوز لأمته عن الخطأ والنسيان، وقد أخبر أن الرسول يضع عن أمته إصْرَهم والأغلال التى كانت عليهم، وسأل ربه لأمته ألا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فيجتاحهم فأعطاه ذلك، لكن ثبوت هذا الحكم فى حق آحاد الأمة قد لا يحصل إلا بطاعة اللّه ورسوله، فإذا عصى اللّه ذلك الشخص العاصى عوقب عن ذلك بسلب هذه النعمة، وإن كانت الشريعة لم تنسخ.
يبين هذا أن فى هذا الدعاء سؤال الله بالعفو والمغفرة والرحمة والنصر على الكفار، ومعلوم أن هذا ليس حاصلا لكل واحد من أفراد الأمة، بل منهم من يدخل النار، ومنهم من ينصر عليه الكفار، ومنهم من يسلب الرزق، لكونهم فرطوا فى طاعة الله ورسوله، فيسلبون ذلك بقدر ما فرطوا أو قصروا.
وقول الله :( قَدْ فَعَلْتُ ) يقال فيه شيئان :
أحدهما : أنه قد فعل ذلك بالمؤمنين المذكورين فى الآية، والإيمان المطلق يتضمن طاعة اللّه ورسوله. فمن لم يكن كذلك نقص إيمانه الواجب فيستحق من سلب هذه النعم بقدر النقص، ويعوق اللّه عليه ملاذ ذلك، ولم يستحق من الجزاء ما يستحقه من قام بالإيمان الواجب.