الثانى : أن يقال : هذا الدعاء استجيب له فى جملة الأمة، ولا يلزم من ذلك ثبوته لكل فرد، وكلا الأمرين صحيح؛ فإن ثبوت هذا المطلوب لجملة الأمة حاصل، ولولا ذلك لأهلكوا بعذاب الاستئصال كما أهلكت الأمم قبلهم، وقد قال النبى ﷺ فى الحديث الصحيح :( سألت ربى لأمتى ثلاثا فأعطانى اثنتين، ومنعنى واحدة : سألته ألا يهلك أمتى بسَنَة عامة فأعطانيها، وسألته ألا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم، فيجتاحهم فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بَأْسَهم بينهم فمنعنيها، وقال : يا محمد، إنى إذا قضيتُ قضاء لم يُرَدَّ ).
وكذلك فى الصحيحين : لما نزل قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ قال النبى ﷺ :( أعوذ بوجهك ). ﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ قال :( أعوذ بوجهك ) ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ] قال :( هاتان أهْوَن ). وهذا لأنه لا بد أن تقع الذنوب من هذه الأمة، ولابد أن يختلفوا؛ فإن هذا من لوازم الطبع البشرى، ولا يمكن أن يكون بنو آدم إلا كذلك؛ ولهذا لم يكن ما وقع فيها من الاختلاف والقتال والذنوب دليلا على نقصها، بل هي أفضل الأمم، وهذا الواقع بينهم من لوازم البشرية، وهو فى غيرها أكثر وأعظم، وخير غيرها أقل والخير فيها أكثر، والشر فيها أقل، فكل خير فى غيرها فهو فيها أعظم، وكل شر فيها فهو فى غيرها أعظم.
وأما حصول المطلوب للآحاد منها فلا يلزم حصوله لكل عاص؛ لأنه لم يقم بالواجب، ولكن قد يحصل للعاصى من ذلك بحسب ما معه من طاعة اللّه تعالى، وأما حصول المغفرة والعفو والرحمة بحسب الإيمان والطاعة فظاهر؛ لأن هذا من الأحكام القدرية الخلقية من جنس الوعد والوعيد، وهذا يتنوع بتنوع الإيمان والعمل الصالح.


الصفحة التالية
Icon