وأما دفع المؤاخذة بالخطأ والنسيان، ودفع الآصار، فإن هذا قد يشكل لأنه من باب الأحكام الشرعية أحكام الأمر والنهى.
فيقال : الخطأ والنسيان المرفوع عن الأمة مرفوع عن عصاة الأمة؛فإن العاصى لا يأثم بالخطأ والنسيان؛ فإنه إذا أكل ناسياً أتم صومه، سواء كان مطيعاً فى غير ذلك أو عاصياً، فهذا هو الذى يشكل، وعنه جوابان :
أحدهما : أن الذنوب والمعاصى قد تكون سبباً لعدم العلم بالحنيفية السَّمْحَة؛فإن الإنسان قد يفعل شيئاً ناسيًا أو مخطئاً ويكون لتقصيره فى طاعة الله علماً وعملا، ولا يعلم أن ذلك مرفوع عنه؛إما لجهله، وإما لكونه ليس هناك من يفتيه بالرخصة فى الحنيفية السمحة.
والعلماء قد تنازعوا فى كثير من مسائل الخطأ والنسيان، واعتقد كثير منهم بطلان العبادات أو بعضها به، كمن يبطل الصوم بالنسيان، وآخرون بالخطأ، وكذلك الإحرام، وكذلك الكلام فى الصلاة، وكذلك إذا فعل المحلوف عليه ناسياً أو مخطئاً، فإذا كان اللّه ـ سبحانه ـ قد نفى المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وخفى ذلك فى مواضع كثيرة على كثير من علماء المسلمين، كان هذا عقوبة لمن لم يجد فى نفسه ثقة إلا هؤلاء فيفتونه بما يقتضى مؤاخذته بالخطأ والنسيان، فلا يكون مقتضى هذا الدعاء حاصلا فى حقه لعدم العلم، لالنسخ الشريعة.