وإما أن يعاقبوا باعتقاد تحريم ما هو طيب حلال لخفاء تحليل اللّه ورسوله عندهم، كما قد فعل ذلك كثير من الأمة، اعتقدوا تحريم أشياء فروج عليهم بما يقعون فيه من الأيمان والطلاق، وإن كان الله ورسوله لم يحرم ذلك؛ لكن لما ظنوا أنها محرمة عليهم عوقبوا بحرمان العلم الذى يعلمون به الحل، فصارت محرمة عليهم تحريماً كونياً، وتحريماً شرعياً فى ظاهر الأمر؛ فإن المجتهد عليه أن يقول ما أدى إليه اجتهاده، فإذا لم يؤد اجتهاده إلا إلى تحريم هذه الطيبات لعجزه عن معرفة الأدلة الدالة على الحل، كان عجزه سبباً للتحريم فى حق المقصرين فى طاعة الله.
وكذلك اعتقدوا تحريم كثير من المعاملات التى يحتاجون إليها كضمان البساتين، والمشاركات وغيرها؛ وذلك لخفاء أدلة الشرع، فثبت التحريم فى حقهم بما ظنوه من الأدلة، وهذا كما أن الإنسان يعاقب بأن يخفى عليه من الطعام الطيب والشراب الطيب ما هو موجود وهو مقدور عليه لو علمه، لكن لا يعرف بذلك عقوبة له، وإن العبد ليحَرم الرزق بالذنب يُصيبه، وقد قال تعالى :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢، ٣ ] فهو سبحانه إنما ضمن الأشياء على وجهها واستقامتها للمتقين، كما ضمن هذا للمتقين.
فتبين أن المقصرين فى طاعته من الأمة قد يؤاخذون بالخطأ والنسيان، ومن غير نسخ بعد الرسول، لعدم علمهم بما جاء به الرسول من التيسير، ولعدم علم من عندهم من العلماء بذلك؛ ولهذا يوجد كثير ممن لا يصلى فى السفر قصراً يرى الفطر فى السفر حراما فيصوم فى السفر مع المشقة العظيمة عليه، وهذا عقوبة له لتقصيره فى الطاعة، لكنه مما يكفر اللّه به من خطاياه ما يكفره، كما يكفر خطايا المؤمنين بسائر مصائب الدنيا.