وكذلك منهم من يعتقد التربيع فى السفر واجباً فيربع فيبتلى بذلك لتقصيره فى الطاعة، ومنهم من يعتقد تحريم أمور كثيرة من المباحات التى بعضها مباح بالاتفاق، وبعضها متنازع فيه، لكن الرسول لم يحرمه؛ فهؤلاء الذين اعتقدوا وجوب ما لم يوجبه الله ورسوله، وتحريم ما لم يحرمه حمل عليهم إصراً، ولم توضع عنهم جميع الآصار والأغلال وإن كان الرسول قد وضعها، لكنهم لم يعلموها.
وقد يبتلون بمطاع يلزمهم ذلك فيكون آصاراً وأغلالا من جهة مطاعهم؛ مثل حاكم، ومفت، وناظر وقف، وأمير ينسب ذلك إلى الشرع؛ لاعتقاده الفاسد أن ذلك من الشرع ويكون عدم علم مطاعهم تيسير اللّه عليهم عقوبة فى حقهم لذنوبهم، كما لو قدر أنه سار بهم فى طريق يضرهم، وعدل بهم عن طريق فيه الماء والمرعى لجهله، لا لتعمده مضرتهم، أو أقام بهم فى بلد غالى الأسعار مع إمكان المقام ببلد آخر.
وهذا لأن الناس كما قد يبتلون بمطاع يظلمهم ويقصد ظلمهم، يبتلون أيضا بمطاع يجهل مصلحتهم الشرعية والكونية، فيكون جهل هذا من أسباب عقوبتهم، كما أن ظلم ذلك من أسباب مضرتهم، فهؤلاء لم ترفع عنهم الآصار والأغلال لذنوبهم ومعاصيهم، وإن كان الرسول ليس فى شرعه آصار وأغلال؛ فلهذا تَسلَّط عليهم حكام الجور والظلم، وتساق إليهم الأعداء، وتقاد بسلاسل القهر والقدر، وذلك من الآصار والأغلال التى لم ترفع عنهم مع عقوبات لا تحصى؛ وذلك لضعف الطاعة فى قلوبهم، وتمكن المعاصى وحب الشهوات فيها، فإذا قالوا :﴿ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] دخل فيه هذا.
وأما قوله :﴿ رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]، فعلى قولين :