ومما يبين ذلك أن الصحابة إنما استجيب لهم هذا الدعاء لما التزموا الطاعة للّه مطلقاً بقولهم :﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ]، ثم أنزل هذا الدعاء، فدعوا به فاستجيب لهم.
ولهذا كانوا فى الحنيفية السمحة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكانوا فيها على عهد أبى بكر خيراً مما كانوا فيها على عهد عمر، فلما كانوا فى زمن عمر حدث من بعضهم ذنوب أوجبت اجتهاد الإمام فى نوع من التشديد عليهم، كمنعهم من مُتْعَة الحج، وكإيقاع الثلاث إذا قالوها بكلمة، وكتغليظ العقوبة فى الخمر، وكان أطوعهم للّه وأزهدهم ـ مثل أبى عبيدة ـ ينقاد له عمر ما لا ينقاد لغيره، وخفى عليهم بعض مسائل الفرائض وغيرها، حتى تنازعوا فيها، وهم مؤتلفون متحابون، كل منهم يقر الآخر على اجتهاده.
فلما كان فى آخر خلافة عثمان زاد التغير والتوسع فى الدنيا، وحدثت أنواع من الأعمال لم تكن على عهد عمر، فحصل بين بعض القلوب تنافر حتى قتل عثمان، فصاروا فى فتنة عظيمة قد قال تعالى :﴿ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ]، أى هذه الفتنة لا تصيب الظالم فقط، بل تصيب الظالم والساكت عن نهيه عن الظلم، كما قال النبى ﷺ :( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يَعُمَّهم اللّه بعقاب منه ).