وأيضا، فنفس العلم به إن لم يكن معه حب له وعبادة له، بل كان مع حب لغيره كائنا من كان، فإن عذاب هذا قد يكون من أعظم العذاب فى الدنيا والآخرة، وهم لا يجعلون كمال اللذة إلا فى نفس العلم.
وأيضاً فاقتصارهم على اللذة العقلية خطأ، والنصارى زادوا عليهم السمع والشم، فقالوا : يتمتعون بالأرواح المتعشقة والنغمات المطربة، ولم يثبتوا هم ولا اليهود الأكل والشرب ولا النكاح ـ وهى لذة اللمس ـ والمسلمون أثبتوا جميع أنواع اللذات؛ سمعاً، وبصراً، وشماً، وذوقا، ولمسا، للروح والبدن جميعاً، وكان هذا هو الكمال، لا ما يثبته أهل الكتاب ومن هو شر منهم من الفلاسفة الباطنية، وأعظم لذات الآخرة لذة النظر إلى اللّه ـ سبحانه ـ كما فى الحديث الصحيح :( فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه )، وهو ثمرة معرفته وعبادته فى الدنيا، فأطيب ما فى الدنيا معرفته، وأطيب ما فى الآخرة النظر إليه ـ سبحانه ـ ولهذا كان التجلى يوم الجمعة فى الآخرة على مقدار صلاة الجمعة فى الدنيا.
وأبو حامد يذكر فى كتبه هو وأمثاله ( الرؤية )، وأنها أفضل أنواع النعيم، ويذكر كشف الحجُب، وأنهم يرون وجه الله، ولكن هذا كله يريد به ما تقوله الجهمية والفلاسفة؛ فإن الرؤية عندهم ليست إلا العلم، لكن كما أن الإنسان قد يرى الشىء بعينيه، وقد يمثل له خياله إذا غاب عنه فهكذا العلم. ففى الدنيا ليس عندهم من العلم إلا مثال كالخيال في الحساب، وفى الآخرة يعلمونه بلا مثال، وهو عندهم ( وجود لا داخل العالم ولا خارجه )، و ( كشف الحجاب ) عندهم رفع المانع الذى فى الإنسان من الرؤية، وهو أمر عدمي، فحقيقته جعل العبد عالماً، وهذا كله مما تقول به الفلاسفة والباطنية.