وفي الصحيحين عن النبى ﷺ قال :( عدلت شهادة الزور الإشراك بالله )، قالها مرتين أو ثلاثاً، ثم تلا هذه الآية، وإنما فى الآية :﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ وهذا يعم كل قول زور بأى لفظ كان، وعلى أى صفة وجد، فلا يقوله العبد ولا يحضره ولا يسمعه من قول غيره. والزور : هو الباطل الذى قد ازور عن الحق والاستقامة أى : تحول، وقد سماه النبى ﷺ شهادة الزور، وقد قال فى المظاهرين من نسائهم :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾ [ المجادلة : ٢ ].
وفى الصحيحين عن ابن عباس قال : شهد عندى رجال مرضيون وأرضاهم عندى عمر أن النبى ﷺ نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وهؤلاء حدثوه أنه نهى عن ذلك، ولم يقولوا : نشهد عندك؛ فإن الصحابة لم يكونوا يلتزمون هذا اللفظ فى التحديث، وإن كان أحدهم قد ينطق به، ومنه قولهم فى ماعز : فلما شهد على نفسه أربع مرات رجمه النبى ﷺ ولفظه كان إقراراً ولم يقل : أشهد.
ومنه قوله تعالى :﴿ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ [ النساء : ١٣٥ ]، وشهادة المرء على نفسه هى إقراره، وهذا لا يشترط فيه لفظ الشهادة باتفاق العلماء، وإنما تنازعوا فى الشهادة عند الحكام : هل يشترط فيها لفظ أشهد ؟ على قولين فى مذهب أحمد، وكلام أحمد يقتضى أنه لا يعتبر ذلك، وكذلك مذهب مالك، والثانى يشترط ذلك، كما يحكى عن مذهب أبى حنيفة والشافعى.
والمقصود هنا الآية فالشهادة تضمنت مرتبتين :
إحداهما : تكلم الشاهد وقوله وذكره لما شهد فى نفسه به.
والثانىة : إخباره وإعلامه لغيره بما شهد به، فمن قال : حكم وقضى فهذا من باب اللازم، فإن الحكم والقضاء هو إلزام وأمر.