ولا ريب أن الله ألزم الخلق التوحيد وأمرهم به وقضى به وحكم، فقال :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ]، وقال :﴿ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ﴾ [ النحل : ٢ ]، وقال :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾ الآية [ النحل : ٣٦ ]. وقال تعالى :﴿ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [ النحل : ٥١ ]، وقال :﴿ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ التوبة : ٣١ ]، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ﴾ [ البينة : ٥ ].
وهذا كثير فى القرآن يوجب على العباد عبادته وتوحيده، ويحرم عليهم عبادة ما سواه، فقد حكم وقضى أنه لا إله إلا هو.
ولكن الكلام فى دلالة لفظ الشهادة على ذلك؛ وذلك أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو، فقد أخبر وبين وأعلم أن ما سواه ليس بإله فلا يعبد، وأنه وحده الإله الذى يستحق العبادة، وهذا يتضمن الأمر بعبادته والنهى عن عبادة ما سواه؛ فإن النفى والإثبات فى مثل هذا يتضمن الأمر والنهى، كما إذا استفتى شخص شخصاً، فقال له قائل : هذا ليس بمفت، هذا هو المفتى، ففيه نهى عن استفتاء الأول، وأمر وإرشاد إلى استفتاء الثانى.
وكذلك إذا تحاكم إلى غير حاكم، أو طلب شيئا من غير ولى الأمر، فقيل له : ليس هذا حاكماً ولا هذا سلطاناً، هذا هو الحاكم وهذا هو السلطان، فهذا النفى والإثبات يتضمن الأمر والنهى، وذلك أن الطالب إنما يطلب من عنده مراده ومقصوده، فإذا ظنه شخصاً فقيل له : ليس مرادك عنده وإنما مرادك عند هذا، كان أمراً له بطلب مراده عند هذا دون ذاك.