وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية ما يوافق ذلك، فذكر ابن السائب [ هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبى، نسابة، راوية، عالم بالتفسير والأخبار وأيام العرب، له كتاب فى " تفسير القرآن " وهو ضعيف الحديث، ولد بالكوفة وتوفى بها سنة ١٤٦هـ ] : أن حَبْرَين من أحبار الشام قدما على النبى صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبى الذى يخرج فى آخر الزمان ! فلما دخلا على النبى ﷺ عرفاه بالصفة، فقالا : أنت محمد ؟ قال :( نعم ). قالا : وأحمد ؟ قال :( نعم ). قالا : نسألك عن شهادة فإن أخبرتنا بها آمنا بك. فقال :( سلانى ). فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة فى كتاب اللّه فنزلت هذه الآية.
ولفظ ( القيام بالقسط ) كما يتناول القول، يتناول العمل، فيكون التقدير : يشهد وهو قائل بالقسط عامل به لا بالظلم؛ فإن هذه الشهادة تضمنت قولا وعملا، فإنها تضمنت أنه هو الذى يستحق العبادة وحده فيعبد، وأن غيره لا يستحق العبادة، وأن الذين عبدوه وحده هم المفلحون السعداء، وأن المشركين به في النار، فإذا شهد قائما بالعدل المتضمن جزاء المخلصين بالجنة وجزاء المشركين بالنار كان هذا من تمام تحقيق موجب هذه الشهادة، وكان قوله :﴿ قّائٌمْا بٌالًقٌسًط ﴾ تنبيها على جزاء المخلصين والمشركين، كما فى قوله :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [ الرعد : ٣٣ ].
قال طائفة من المفسرين ـ منهم البغوى ـ : نظم الآية ( شهد الله قائما بالقسط ) ومعنى قوله :﴿ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ﴾ أى بتدبير الخلق، كما يقال : فلان قائم بأمر فلان، أى يدبره ويتعاهد أسبابه، وقائم بحق فلان، أى مجاز له، فالله تعالى مدبر رزاق مجاز بالأعمال.


الصفحة التالية
Icon