وإذا اعتبر القسط فى الإلهية كان المعنى :( لا إله إلا هو قائما بالقسط )، أى : هو وحده الإله قائما بالقسط، فيكون وحده مستحقاً للعبادة مع كونه قائما بالقسط، كما يقال : أشهد أن لا إله إلا الله إلهاً واحدا أحداً صمداً. وهذا الوجه أرجح؛ فإنه يتضمن أن الملائكة وأولى العلم يشهدون له، مع أنه لا إله إلا هو، وأنه قائم بالقسط.
والوجه الأول لا يدل على هذا؛ ولأن كونه قائما بالقسط ـ كما شهد به ـ أبلغ من كونه حال الشاهد، وقيامه بالقسط يتضمن أنه يقول الصدق، ويعمل بالعدل، كما قال :﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [ الأنعام : ١١٥ ]، وقال هود :﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ هود : ٥٦ ]، فأخبر أن الله على صراط مستقيم، وهو العدل الذى لا عوج فيه.
وقال :﴿ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم ﴾ [ النحل : ٧٦ ]، وهو مثل ضربه الله لنفسه ولما يشرك به من الأوثان، كما ذكر ذلك فى قوله :﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾ الآية [ يونس : ٣٥ ]، وقال :﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾ الآيات، إلى قوله :﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [ النحل : ١٧ـ ٢١ ]، فأخبر أنه خالق منعم عالم، وما يدعون من دونه لا تخلق شيئا ولا تنعم بشىء، ولا تعلم شيئا، وأخبر أنها ميتة، فهل يستوى هذا وهذا ؟ فكيف يعبدونها من دون الله مع هذا الفرق الذى لا فرق أعظم منه ؟ ولهذا كان هذا أعظم الظلم والإفك.