والجهمية عندهم أى شىء أمكن وقوعه كان قسطاً، فيكون قوله :﴿ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ﴾ كلاما لا فائدة فيه ولا مدح؛ فإنه إذا كان كل مقدور قسطا كان المعنى أنه قائم بما يفعله، والمعنى أنه فاعل لما يفعله، وليس فى هذا مدح، ولا هو المفهوم من كونه قائما بالقسط، بل المفهوم منه أنه يقوم بالقسط لا بالظلم مع قدرته عليه، لكنه ـ سبحانه ـ مقدس منزه أن يظلم أحدا ً، كما قال :﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، وقد أمر عباده أن يكونوا قوامين بالقسط، وقال :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [ الرعد : ٣٣ ]، فهو يقوم عليها بكسبها لا بكسب غيرها، وهذا من قيامه بالقسط. وقال :﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ الآية [ الأنبياء : ٤٧ ].
وأيضا، فمن قيامه بالقسط وقيامه على كل نفس بما كسبت : أنه لا يظلم مثقال ذرة، كما قال :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ إلى آخرها [ الزلزلة : ٧، ٨ ].
والمعتزلة تحبط الحسنات العظيمة الكثيرة بكبيرة واحدة، وتحبط إيمانه وتوحيده بما هو دون ذلك من الذنوب، وهذا مما تفردوا به من الظلم الذى نزه الله نفسه عنه، فهم ينسبون الله إلى الظلم لا إلى العدل، والله أعلم.
فصل
وقوله :﴿ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ آل عمران : ١٨ ] إثبات لعزته وحكمته، وفيها رد على الطائفتين الجبرية والقدرية ـ فإن الجبرية ـ أتباع جهم ـ ليس له عندهم فى الحقيقة حكمة؛ ولهذا لما أرادت الأشعرية أن تفسر حكمته فسروها إما بالقدرة، وإما بالعلم، وإما بالإرادة.