قال شيخ الإسلام أحمدُ بنُ تَيمية ـ طَيَّب اللَّه ثَرَاه ـ فيما صنفه بقلعة دمشق أخيرًا :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه، نستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد اللّه فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
فَصْل في الفرقان بين الحق والباطل
وأن اللّه بين ذلك بكتابه ونبيه، فمن كان أعظم اتباعًا لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله كان أعظم فرقانًا، ومن كان أبعد عن اتباع الكتاب والرسول كان أبعد عن الفرقان، واشتبه عليه الحق بالباطل، كالذين اشتبه عليهم عبادة الرحمن بعبادة الشيطان، والنبي الصادق بالمتنبئ الكاذب، وآيات النبيين بشبهات الكذابين، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق.
فإن اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ بعث محمدًا بالهدى ودين الحق؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ففرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، والصدق والكذب، والعلم والجهل، والمعروف والمنكر، وطريق أولياء اللّه السعداء وأعداء اللّه الأشقياء؛وبين ما عليه الناس من الاختلاف، وكذلك النبيون قبله، قال اللّه تعالى :﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ البقرة : ٢١٣ ]، وقال تعالى :﴿ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ النحل : ٦٣، ٦٤ ]، وقال سبحانه وتعالى :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [ الفرقان : ١ ]، وقال تعالى :﴿ الم اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [ آل عمران : ١ـ ٤ ].


الصفحة التالية
Icon