وحقيقة قولهم : أنهم اعتقدوا فى عموم الصالحين ما اعتقدته النصارى فى المسيح، لكن لم يمكنهم إظهاره؛ فإن دين الإسلام يناقض ذلك مناقضة ظاهرة، فصاروا يشيرون إليه، ويقولون : إنه من السر المكتوم، ومن علم الأسرار الغيبية، فلا يمكن أن يباح به، وإنما هو قول ملحد، وهو شر من قول النصارى فإن النصارى إنما قالوا ذلك فى المسيح لم يقولوه فى جميع الصالحين.
وقد بسط الكلام على ذلك فى غير موضع؛ إذ المقصود التنبيه على ما فى هذه الآية من أصول الإيمان، والتوحيد و إبطال قول المبتدعين.

فصل


وإذا كانت شهادة الله تتضمن بيانه للعباد، ودلالته لهم، وتعريفهم بما شهد به لنفس، فلابد أن يعرفهم أنه شهد، فإن هذه الشهادة أعظم الشهادات، وإلا فلو شهد شهادة لم يتمكن من العلم بها لم ينتفع بذلك، ولم تقم عليهم حجة بتلك الشهادة، كما أن المخلوق إذا كانت عنده شهادة لم يبينها بل كتمها لم ينتفع أحد بها، ولم تقم بها حجة.
ولهذا ذم ـ سبحانه ـ من كتم العلم الذى أنزله وما فيه من الشهادة، كما قال تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ ﴾ [ البقرة : ١٤٠ ]، أى : عنده شهادة من الله وكتمها، وهو العلم الذى بينه الله، فإنه خبر من الله وشهادة منه بما فيه.


الصفحة التالية
Icon