وهذه الثلاثة هي عمدة من يخالف السنة بما يراه حجة ودليلا، إما أن يحتج بأدلة عقلية ويظنها برهانًا وأدلة قطعية، وتكون شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة، ومعان متشابهة، لم يميز بين حقها وباطلها، كما يوجد مثل ذلك في جميع ما يحتج به من خالف الكتاب والسنة، إنما يركب حججه من ألفاظ متشابهة، فإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل، وهذه هي الحجج العقلية. وإن تمسك المبطل بحجج سمعية فإما أن تكون كذبًا على الرسول، أو تكون غير دالة على ما احتج بها أهل البُطُول، فالمنع إما في الإسناد وإما في المتن ودلالته على ما ذكر، وهذه الحجة السمعية هذه حجة أهل العلم الظاهر.
وأما حجة أهل الذوق والوَجْد والمكاشفة والمخاطبة، فإن أهل الحق من هؤلاء لهم إلهامات صحيحة مطابقة، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :( قد كان في الأمم قبلكم مُحَدَّثُونَ، فإن يكن في أمتي أحد فَعُمَر )، وكان عمر يقول : اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقُولون، فإنها تجلى لهم أمور صادقة.
وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال :( اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور اللّه )، ثم قرأ قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [ الحجر : ٧٥ ]، وقال بعض الصحابة : أظنه واللّه للحق يقذفه اللّه على قلوبهم وأسماعهم، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال :( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) وفي رواية :( فَبِي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي )، فقد أخبر أنه يسمع بالحق ويبصر به.