وعمر ـ رضي اللّه عنه ـ لما نادى : يا سارية، الجبل، قال : إن للّه جنودًا يبلغون صوتي، وجنود اللّه هم من الملائكة ومن صالحي الجن، فجنود اللّه بلغوا صوت عمر إلى سارية، وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر، وإلا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة، وهذا كالرجل يدعو آخر وهو بعيد عنه، فيقول : يا فلان، فيعان على ذلك فيقول الواسطة بينهما : يا فلان، وقد يقول لمن هو بعيد عنه : يا فلان، احبس الماء، تعال إلينا، وهو لا يسمع صوته، فيناديه الواسطة بمثل ذلك : يا فلان، احبس الماء، أرسل الماء، إما بمثل صوت الأول إن كان لا يقبل إلا صوته، وإلا فلا يضر بأي صوت كان، إذا عرف أن صاحبه قد ناداه.
وهذه حكاية : كان عمر مرة قد أرسل جيشًا، فجاء شخص وأخبر أهل المدينة بانتصار الجيش وشاع الخبر، فقال عمر : من أين لكم هذا ؟ قالوا : شخص صفته كيت وكيت فأخبرنا، فقال عمر : ذاك أبو الهيثم بريد الجن، وسيجىء بريد الإنسان بعد ذلك بأيام.
وقد يأمر الملك بعض الناس بأمر ويستكتمه إياه فيخرج فيرى الناس يتحدثون به، فإن الجن تسمعه وتخبر به الناس، والذين يستخدمون الجن في المباحات يشبه استخدام سليمان، لكن أعطى ملكًا لا ينبغي لأحد بعده، وسخرت له الإنس والجن، وهذا لم يحصل لغيره. والنبي ﷺ لما تَفَلَّتَ عليه العفريت ليقطع عليه صلاته قال :( فأخذته، فَذَعَتُّه حتى سال لعابه على يدي، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، ثم ذكرت دعوة أخي سليمان فأرسلته ) [ قوله :( فَذَعَتُّهُ ) : أي خنقته ]. فلم يستخدم الجن أصلا، لكن دعاهم إلى الإيمان باللّه، وقرأ عليهم القرآن، وبلغهم الرسالة، وبايعهم كما فعل بالإنس.


الصفحة التالية
Icon