ومن المشهور عندهم ذم معاوية وأبي موسى وعمرو بن العاص لأجل علي، ومنهم من يكفر هؤلاء ويفسقهم، بخلاف طلحة والزبير وعائشة، فإنهم يقولون : إن هؤلاء تابوا من قتاله، وكلهم يتولى عثمان ويعظمون أبا بكر وعمر، ويعظمون الذنوب، فهم يتحرون الصدق كالخوارج، لا يختلقون الكذب كالرافضة، ولا يرون أيضًا اتخاذ دار غير دار الإسلام كالخوارج، ولهم كتب في تفسير القرآن ونصر الرسول، ولهم محاسن كثيرة يترجحون على الخوارج والروافض، وهم قصدهم إثبات توحيد اللّه ورحمته، وحكمته وصدقه، وطاعته. وأصولهم الخمس عن هذه الصفات الخمس، لكنهم غلطوا في بعض ما قالوه في كل واحد من أصولهم الخمس، فجعلوا من [ التوحيد ] نفي الصفات وإنكار الرؤية، والقول بأن القرآن مخلوق، فوافقوا في ذلك الجهمية. وجعلوا من [ العدل ] أنه لا يشاء ما يكون، ويكون ما لا يشاء، وأنه لم يخلق أفعال العباد، فنفوا قدرته ومشيئته وخلقه لإثبات العدل. وجعلوا من الرحمة نفي أمور خلقها لم يعرفوا ما فيها من الحكمة.
وكذلك هم والخوارج قالوا بـ [ إنفاذ الوعيد ] ليثبتوا أن الرب صادق لا يكذب؛ إذ كان عندهم قد أخبر بالوعيد العام، فمتى لم يقل بذلك لزم كذبه، وغلطوا في فهم الوعيد. وكذلك [ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف ] قصدوا به طاعة اللّه ورسوله، كما يقصده الخوارج والزيدية، فغلطوا في ذلك.
وكذلك إنكارهم للخوارق غير المعجزات، قصدوا به إثبات النبوة ونصرها، وغلطوا فيما سلكوه؛ فإن النصر لا يكون بتكذيب الحق، وذلك لكونهم لم يحققوا خاصة آيات الأنبياء.
والأشعرية ما ردوه من بدع المعتزلة والرافضة والجهمية، وغيرهم، وبينوا ما بينوه من تناقضهم، وعظموا الحديث والسنة ومذهب الجماعة، فحصل بما قالوه من بيان تناقض أصحاب البدع الكبار وردهم ما انتفع به خلق كثير.


الصفحة التالية
Icon