فإن الأشعري كان من المعتزلة، وبقى على مذهبهم أربعين سنة يقرأ على أبي علي الجبائي [ هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حُمْران بن أبان الجبائي، أحد أئمة المعتزلة، وله في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة كانت ولادته في سنة خمس وثلاثين ومائتين، وتوفى في سنة ثلاث وثلاثمائة ]، فلما انتقل عن مذهبهم كان خبيرًا بأصولهم وبالرد عليهم، وبيان تناقضهم، وأما ما بقى عليه من السنة فليس هو من خصائص المعتزلة، بل هو من القدر المشترك بينهم وبين الجهمية، وأما خصائص المعتزلة فلم يوالهم الأشعري في شىء منها؛ بل ناقضهم في جميع أصولهم، ومال في [ مسائل العدل، والأسماء والأحكام ] إلى مذهب جَهْم ونحوه.
وكثير من الطوائف ـ [ كالنجارية ] أتباع حسين النجار، و [ الضرارية ] أتباع ضرار بن عمرو ـ يخالفون المعتزلة في القدر والأسماء والأحكام، وإنفاذ الوعيد. والمعتزلة من أبعد الناس عن طريق أهل الكشف والخوارق، والصوفية يذمونها ويعيبونها.
وكذلك يبالغون في ذم النصارى أكثر مما يبالغون في ذم اليهود، وهم إلى اليهود أقرب، كما أن الصوفية ونحوهم إلى النصارى أقرب؛ فإن النصارى عندهم عبادة وزهد وأخلاق بلا معرفة ولا بصيرة فهم ضالون، واليهود عندهم علم ونظر بلا قصد صالح ولا عبادة ولا زهد ولا أخلاق كريمة، فهم مغضوب عليهم، والنصارى ضالون.


الصفحة التالية
Icon