عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين } [ المائدة : ٦٨ ]، وهذا أمر للنبي ﷺ بأن يقول لأهل الكتاب الذين بعث إليهم ـ وهم من كان في وقته ومن يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة ـ : لم يؤمر أن يقول ذلك لمن قد تاب منهم، وكذلك قوله :﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ﴾ إخبار عن اليهود الموجودين، وأن عندهم التوراة فيها حكم اللّه، وكذلك قوله :﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ ﴾ هو أمر من اللّه على لسان محمد لأهل الإنجيل، ومن لا يؤمر على لسان محمد ﷺ.
قيل قبل هذا : إنه قد قيل : ليس في العالم نسخة بنفس ما أنزل اللّه في التوراة والإنجيل، بل ذلك مبدل؛ فإن التوراة انقطع تواترها، والإنجيل إنما أخذ عن أربعة.
ثم من هؤلاء من زعم أن كثيرًا مما في التوراة أو الإنجيل باطل ليس من كلام اللّه، ومنهم من قال : بل ذلك قليل. وقيل : لم يحرف أحد شيئًا من حروف الكتب، وإنما حرفوا معانيها بالتأويل، وهذان القولان قال كلا منهما كثير من المسلمين. والصحيح القول الثالث، وهو أن في الأرض نسخًا صحيحة، وبقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخًا كثيرة محرفة. ومن قال : إنه لم يحرف شيء من النسخ فقد قال ما لا يمكنه نفيه، ومن قال : جميع النسخ بعد النبي ﷺ حرفت، فقد قال ما يعلم أنه خطأ، والقرآن يأمرهم أن يحكموا بما أنزل اللّه في التوراة والإنجيل، ويخبر أن فيهما حكمه، وليس في القرآن خبر أنهم غيروا جميع النسخ.