وإذا كان كذلك، فنقول : هو ـ سبحانه ـ قال :﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ ﴾ [ المائدة : ٤٧ ] وما أنزله اللّه هو ما تلقوه عن المسيح، فأما حكايته لحاله بعد أن رفع فهو مثها في التوراة ذكر وفاة موسى ـ عليه السلام ـ ومعلوم أن هذا الذي في التوراة والإنجيل ـ من الخبر عن موسى وعيسى بعد توفيهما ـ ليس هو مما أنزله اللّه، ومما تلقوه عن موسى وعيسى، بل هو مما كتبوه مع ذلك للتعريف بحال توفيهما، وهذا خبر محض من الموجودين بعدهما عن حالهما، ليس هو مما أنزله اللّه عليهما ولا هو مما أمرا به في حياتهما، ولا مما أخبرا به الناس.
وكذلك :﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾، فإن إقامة الكتاب العملُ بما أمر اللّه به في الكتاب من التصديق بما أخبر به على لسان الرسول. وما كتبه الذين نسخوه من بعد وفاة الرسول ومقدار عمره ونحو ذلك، ليس هو مما أنزله اللّه على الرسول، ولا مما أمر به ولا أخبر به، وقد يقع مثل هذا في الكتب المصنفة، يصنف الشخص كتابًا، فيذكر ناسخه في آخره عمر المصنف ونسبه وسنه، ونحو ذلك مما ليس هو من كلام المصنف.