ولهذا أمر الصحابة والعلماء بتجريد القرآن، وألا يكتب في المصحف غير القرآن، فلا يكتب أسماء السور ولا التخميس والتعشير، ولا آمين ولا غير ذلك، والمصاحف القديمة كتبها أهل العلم على هذه الصفة، وفي المصاحف من قد كتب ناسخها أسماء السور، والتخميس، والتعشير، والوقف، والابتداء، وكتب في آخر المصحف تصديقه، ودعا، وكتب اسمه، ونحو ذلك، وليس هذا من القرآن، فهكذا ما في الإنجيل من الخبر عن صلب المسيح، وتوفيه، ومجيئه بعد رفعه إلى الحواريين، ليس هو مما قاله المسيح، وإنما هو مما رآه من بعده، والذي أنزله اللّه هو ما سمع من المسيح المبلغ عن الله.
فإن قيل : فإذا كان الحواريون قد اعتقدوا أن المسيح صلب، وأنه أتاهم بعد أيام، وهم الذين نقلوا عن المسيح الإنجيل والدين ـ فقد دخلت الشبهة.
قيل : الحواريون وكل من نقل عن الأنبياء إنما يجب أن يقبل منهم ما نقلوه عن الأنبياء؛ فإن الحجة في كلام الأنبياء، وما سوى ذلك فموقوف على الحجة إن كان حقًا قُبِل وإلا رُدّ؛ ولهذا كان ما نقله الصحابة عن النبي ﷺ من القرآن والحديث يجب قبوله، لاسيما المتواتر كالقرآن، وكثير من السنن. وأما ما قالوه فما أجمعوا عليه فإجماعهم معصوم، وما تنازعوا فيه رد إلى اللّه والرسول، وعمر قد كان أولاً أنكر موت النبي ﷺ حتى رد ذلك عليه أبو بكر، وقد تنازعوا في دفنه حتى فصل أبو بكر بالحديث الذي رواه، وتنازعوا في تجهيز جيش أسامة، وتنازعوا في قتال مانعى الزكاة، فلم يكن هذا قادحًا فيما نقلوه عن النبي ﷺ.
والنصارى ليسوا متفقين على صلب المسيح، ولم يشهد أحد منهم صلبه، فإن الذي صلب إنما صلبه اليهود، ولم يكن أحد من أصحاب المسيح حاضرًا، وأولئك اليهود الذين صلبوه قد اشتبه عليهم المصلوب بالمسيح، وقد قيل : إنهم عرفوا أنه ليس هو المسيح، ولكنهم كذبوا وشبهوا على الناس، والأول هو المشهور، وعليه جمهور الناس.


الصفحة التالية
Icon