وحينئذ، فليس عند النصارى خبر عمن يصدقونه بأنه صلب، لكن عمدتهم على ذلك الشخص الذي جاء بعد أيام، وقال : أنا المسيح، وذاك شيطان، وهم يعترفون بأن الشياطين كثيرًا ما تجىء ويدعى أحدهم أنه نبي أو صالح، ويقول : أنا فلان النبي أو الصالح ويكون شيطانًا، وفي ذلك حكايات متعددة، مثل حكاية الراهب الذي جاءه جاءٍ وقال : أنا المسيح، جئت لأهديك، فعرف أنه الشيطان فقال : أنت قد بلغت الرسالة، ونحن نعمل بها، فإن جئت اليوم بشيء يخالف ذلك لم نقبل منك.
فليس عند النصارى واليهود علم بأن المسيح صلب كما قال تعالى :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ [ النساء : ١٥٧ ]، وأضاف الخبر عن قتله إلى اليهود بقوله :﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ ﴾ [ النساء : ١٥٧ ]، فإنهم بهذا الكلام يستحقون العقوبة؛ إذ كانوا يعتقدون جواز قتل المسيح، ومن جوز قتله فهو كمن قتله، فهم في هذا القول كاذبون وهم آثمون. وإذا قالوه فخرًا لم يحصل لهم الفخر لأنهم لم يقتلوه، وحصل الوزر لاستحلالهم ذلك وسعيهم فيه، وقد قالالنبي ﷺ :( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ). قالوا : يا رسول اللّه، هذا القاتل، فما بال المقتول ؟. قال :( إنه كان حريصًا على قتل صاحبه ).