قلت : المجتهد إذا غلب على ظنه مشاركة صورة لصورة في مناطالحكم قطع بوجوب العمل بما أدى إليه ظنه، فالعلم حاصل قطعًا، والظن واقع في طريقه. وحقيقة هذا الجواب أن هنا مقدمتين : إحداهما : أنه قد حصل عندي ظن، والثانية : قد قام الدليل القطعي على وجوب اتباع هذا الظن.
فـ [ المقدمة الأولى ] وجدانية و [ الثانية ] عملية استدلالية؛ فليس الظن هنا مقدمة في الدليل كما توهمه بعضهم، لكن يقال : العمل بهذا الظن هو حكم أصول الفقه، ليس هو الفقه، بل الفقه هو ذاك الظن الحاصل بالظاهر، وخبر الواحد والقياس والأصول تفيد أن العمل بهذا الظن واجب. وإلا فالفقهاء لا يتعرضون لهذا، فهذا الحكم العملي الأصولي ليس هو الفقه، وهذا الجواب جواب القاضي أبي بكر، وهو بناه على أصله؛ فإن عنده كلَّ مجتهد مصيبٌ، وليس في نفس الأمر أمر مطلوب، ولا على الظن دليل يوجب ترجيح ظن على ظن، بل الظنون عنده بحسب الاتفاق.
وقال الغزالي وغيره ـ ممن نصر قوله ـ : قد يكون بحسب ميل النفس إلى أحد القولين دون الآخر، كميل ذي الشدة إلى قول، وذي اللين إلى قول.
وحينئذ فعندهم متى وجد المجتهد ظنًا في نفسه، فحكم اللّه في حقهاتباع هذا الظن. وقد أنكر أبو المعالي وغيره عليه هذا القول إنكارًا بليغًا، وهم معذورون في إنكاره؛ فإن هذا أولاً مكابرة، فإن الظنون عليها أمارات ودلائل يوجب وجودها ترجيح ظن على ظن، وهذا أمر معلوم بالضرورة، والشريعة جاءت به ورجحت شيئًا على شىء، والكلام في شيئين : في اتباع الظن، وفي الفقه هل هو من الظنون ؟


الصفحة التالية
Icon